الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، ثم أما بعد: {وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود: 81 – الحجر: 65]، توجيه من الله تعالى لنبيه لوط لمّا أمره أن يسري بأهله، فمنعهم من الالتفات، وقد اختلف أهل التفسير هل خرجت امرأة لوط في جملة أهله عليه السلام أم لا، بناء على اختلافهم في الاستثناء {إِلَّا امْرَأَتَكَ} [سورة هود: 81]، هل هو من السّري أم الالتفات، في قوله تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [سورة هود: 81]، ولهم في هذا أبحاث طوال ألف بعضهم فيها رسائل، والظاهر أنها خرجت معهم لكنها لم تلتزم الأمر فالتفتت، فأصابها ما أصاب قومها .
والمعنى كذلك هو الذي تجده في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه كما في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: «لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله على يديه»، قال عمر بن الخطاب: "ما أحببت الإمارة إلا يومئذ"، قال: "فتساورت لها رجاء أن أدعى لها"، قال: "فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فأعطاه إياها، وقال: «امش ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك»، قال: "فسار علي شيئاً ثم وقف ولم يلتفت، فصرخ: يارسول الله على ماذا أقاتل الناس؟"، قال: «قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»
والشاهد قوله: امش ولا تلتفت... فسار شيئاً ثم وقف ولم يلتفت... يمم وجهه حيث أمر فلم يلتفت عن قصده حساً ولا معنى. ولعل منه كذلك ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن الالتفات في الصلاة، فقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: «هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد»
والمعنى الجامع الذي تجده في كل هذه الأخبار، هو المنع عن الالتفات خشية أن يشغل عن إدراك ما كلف المرء به.
وهكذا إن حددت هدفك، وحررت طريقك، وتيقنت من أمرك فامض ولا تلتفت، ولاسيما إن كانت عاقبة الالتفات وبيلة قد تقطعك عن بغيتك وتحرمك مرادك وتقعدك عن أداء التكليف أو تعيقك.
وتأمل لو خرجت من بيتك قاصداً مسجداً والطريق بها عقبات وهوّات، وقد أزف وقت إقامة الصلاة، وجعل يناديك مناد يريد أن يناقشك في وجوب صلاة الجماعة، أو يقنعك بالبقاء وترك المسجد، فإن وقفت معه أضعت الصلاة، وإن التفت إليه توشك أن تقع في حفرة أو تصطدم بعقبة تعيقك، وهكذا السائر في طريق الدعوة المحفوف بالعقبات والصعاب.
وبالجملة إذا حررت هدفك وتثبت من طريقك فاحذر الالتفات عنه فقد يؤدي بك إلى ما لا تحمد عقباه.